الثلاثاء، 19 مارس 2013

عصفور تحت المطر..الفصل الأول





عصفور تحت المطر

* ** * *
الفصل الاول

.....
نظرت إليه بهدوء .. رجل ما ربما حاول التقرب منها يوما ولكنها صدته.. دون أن تشرح أى أسباب ..هو إنسان ترتاح إليه ومن أفضل أصدقائها , سبر أغوارها بنظرة واحدة وعرفت أنه يفهمها أكثر مما يجب وأكثر مما تريد ..

.. الحلم .. هكذا قالت في نفسها .. كلهم يأتون ويذهبون كالحلم المنسي وكالبرق الخاطف .. تركته وذهبت .. لا تعرف لأين تتجه لكنها سارت مبتعدة ..أرادت أن تبتعد في تلك اللحظة التى ذكرتها بأقسى آلامها . إنه صديق جيد لا يجب أن تخسره فكل ما تبقى لها هو مجموعة من الأصدقاء وبقايا أحلام .. تذكرت حلمها الكبير الذى مات حين ولد .. حلمها منذ كانت مراهقة صغيرة عقلها أكبر من كثير من الناضجين ..

كانت تحلم بأن يأتي فارس الأحلام الذى تعرفه جيدا .. فهو يعيش داخلها منذ أمد .. لم يكن الفارس على الحصان الأبيض مثل حلم كل الفتيات .. بل كان ذلك الرجل الذى سيفهمها حقا .. سيستوعب تركيبتها الغامضة الغريبة التى لا يفهما الناس أبدا .. رجل يحبها بجنونها وعقلها .. بأعظم افكارها وأكثرها سطحية .. رجل يفهم أنها رغم قوة الشخصية التى تبدو عليها , رغم عقليتها ذات الأفكار الهائلة .. إلا أنها ضعيفة للغاية كعصفور مبتل تحت المطر .. بلا مأوى ولا دليل .. طائر رقيق مرهف الاحساس لا يحب أن يَجرح أو يُجرح .

إن أكثر الشخصيات تعقيدا قد تكون فى واقع الأمر أكثرها بساطة ..وما على الانسان إلا أن يجد المفتاح الخاص بها . كانت تحلم بزورق تركبه معه فى اتجاه الشمس وقت الغروب .. لا تسمع إلا صوت الأمواج وحركة الزورق الناعمة على سطح الماء ..مع شخص يمكنها أن تطلعه على أفكارها الحمقاء حين تزورها دون أن تخشى أن يسيء فهمها .. وتبكى حين تحزن دون أن تضطر إلى التظاهر أن كل شئ على مايرام ..كانت في حاجة لإنسان يتحملها فى ثورة غضبها فقط لأنه يحبها .. ويدرك أن مشاعرها كالزجاج إذا تكسر فإنه لن ينصلح يوما .. فهل تحقق الحلم ؟

لا تعرف .. كل ما تعرفه أن هناك كائن واحد تطابقت بصمته مع روحها وكان لديه المفتاح الوحيد الخاص بها ..ولكن .. ما كان حلم جميل تحول لجرح هائل عصف بعالمها كله ..وبعد كل تلك السنوات مازالت لاتدري .. هل ولد الحلم ليموت ؟ أم ربما تاهت بين الواقع والخيال ..تماما مثل كثير من أحلام نحلمها ونعيش فيها ونندمج وحين نستيقظ .. نكتشف الحقيقة البسيطة ..
لقد كان مجرد حلم ..

بدأت الأمطار تتساقط كرذاذ ثم اشتد المطر ..لم تحتم بشيء .. أرادت أن تتوحد مع الطبيعة بكل أشكالها .. لمحت من بعيد ذلك العصفور الضئيل الذى طالما أحبته .. كان يطير كأنه يعرف هدفه جيدا ويعرف عشه رغم الأمطار القاسية ..تمنت لحظتها لو كانت تعرف مثله أين المفر ...

لحق بها ذلك الصديق الغريب راكضا .. سألها متقطع الأنفاس : (منى) .ألا يوجد أمل... في المستقبل ؟ .. صمتت طويلا .. إنه يذكرها بنفسها إلى حد كبير ولا تدرى لماذا ..نفس الحيرة ..نفس القدرة على سبر أغوار الآخرين ..نفس التعلق بأمل واهي ..لا تعرف بالتحدي , شعرت بشفقة تجاهه .. قالت بعد برهة طويلة من الصمت .. لست أدرى ما إذا كان لدى مستقبل ..أم أني انتهيت عند الحاضر ..وربما الماضي ..
....
د.شيماء عبادي



هناك 4 تعليقات:

  1. رائعة جدا ومشوقة إلى حد بعيد .. رغم غوص البطلة في ذكرياتها إلا ان الجول حولها مفعم بالغموض ومثقل بكم هائل من المشاعر .. البداية بالذات جذابة تستدعي التركيز الشديد
    أحييكِ شيماء على هذه الجمال :)
    اعرف ان الاجزاء الأخرى موجودة في المدونة لكن أحببتُ إبداء الرأي فيما قرات أولا قبل الاستمرار

    ردحذف
    الردود
    1. تسلمي سعدية على متابعتك وتشجيعك المستمر..
      وفي انتظار رأيك في باقي الأجزاء

      حذف
  2. كلمات ذات رونق اصيل اختلط بماء العزهر الذي كسها ابداع ربيع واحلها بنغمة عسل شكرا اختي وبارك الله فيك وكل التوفيق نتمناهلك
    تحياتي وكل احترامي

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا جزيلا على ردك واهتمامك..واتمنى أن احظى بمتابعتك لباقي الأجزاء ومعرفة رأيك فيها..

      حذف