الأربعاء، 30 أكتوبر 2013

قصاصات 69..ستكونين نجمة


.......
اليوم..في محاضرة الزمالة للطب النفسي بالقاهرة ,أثنت الدكتورة منال عابد على مستواي العلمي كثيرا _ضمن من أثنت عليهم _ عندما كانت تستكشفنا من خلال أسئلتها لنا ,ومن ضمن ما قالته ( ستكونين نجمة ..تذكرو
ها شيماء في المعمورة لأنها ستصبح نجمة في هذا المجال وستسمعون عنها )..

ورغم سعادتي وفخري بشهادة من طبيبة لها ثقل مثلها ,ودعائي في السر لحظتها أن يحقق الله أملها في ولا يخيب ظنها..فقد عادت ذاكرتي وأنا في طريقي للعودة ..إلى عامين مضيا ..إلى بدايات عام 2012 التي كانت أكثر فترة من فترات حياتي إحباطا على كل المستويات, ورغم اني كنت في ذروة نجاحي الأدبي وقد نشرت روايتي وأنا بعد في الخامسة والعشرين ولدي حفلات توقيع وخلافه كنت بجهد مستحيل اوفق بين ما يتطلبه نشر الكتاب وعملي الرئيسي في الوحدة الصحية كطبيبة تكليف بالبحيرة وحضوري لنشاطات الطب النفسي في الاسكندرية أي ثلاث مهام تنتمي لثلاث محافظات في آن واحد....

ذلك الوقت الذي أحاول تجديد تدريبي فيه بالمستشفى الجامعي بالاسكندرية بعد أن عملت فيه بكل جهد بدوام أيام كاملة دون أي مقابل مادي لشهور ثم تم رفض تجديدي لاسباب لا تتعلق بي بتاتا .كان منها التعميم الذي ظنه مجلس القسم بأن الأطباء المتدربين لا يلتزمون بالحضور .إلخ..

وفي محاولاتي لإنقاذ الوضع , ذهبت لأحد الأساتذة المسؤولين والذي كنت أهديته نسخة من روايتي ,لم يحاول أن يختبرني ,لم يسألني سؤالا طبيا واحدا ولم يسأل حتى عني في المستشفى ليتأكد له التزامي من عدمه..وكان حكمه علي أنني منشغلة بأمور أخرى ,وأنني لم أحضر التدريب بما يكفي..رغم أنه كان قد رآني قبلها بأيام في مؤتمر صباحا وكنت في نفس اليوم مساء لدي حفلة توقيع للكتاب .. ..

وكان أسوأ ما قاله لي ..جملة لا أظنني سأنساها أبدا , قال لي بقسوة (أنا أراكي كاتبة جيدة جدا وربما شاعرة جيدة , لكن هذا لا يعني أنك طبيبة على نفس المستوى ).

يومها عدت وفي داخلي إحباط الدنيا ,وعهد ألا أعود لذلك المكان يوما ولو طُلب مني ذلك ..أو حتى جائتني الفرصة للعودة ,فلست ممن يعودون لمكان نبذهم وجحد بجهدهم وعرقهم فيه , وتكونت بذرة القرار الذي اتخذته لاحقا..وانطفأت فرحتي وقتها بنجاحي الأدبي وشعوري بأنني أنجزت شيئا هاما .
وعدت للشك في كل شيء..وأتساءل ما فائدة إن حققت جزء من أحلامي وتعثرت في الأخرى ؟ وما فائدة أن نبذل من الجهد أضعاف ما يبذله الآخرون ثم نتساوى جميعا وتسري علينا كلنا قوانين ظالمة واحدة ؟ ولماذا يتم الحكم علي بأنني سأفشل في التميز في مهنتي فقط لأنني تميزت في شيء آخر ؟

ثم اكتملت الحلقة بعدها بقليل حين أغلقت المعمورة التي حلمت بالانضمام لها منذ سنوات باب التقديم للتخصص بها .. , فكانت آخر شوكة بانتظاري..فأخذت قرارا نهائا لا رجعة فيه أن أترك الأاسكندرية كلها .. وكان قرارا صعبا ,أن أنتقل لللإقامة في مكان آخر وأترك كل ما عملت هنا لأجله وأترك أهلي واصدقائي وكل شيء..ولكنني ذهبت ولم يوقفني شيء..فمن يخسر كثيرا يتعلم أن يخسر أكثر.

كان بإمكاني البقاء , والتقديم في أي مستشفى آخر مستواه التعليمي أقل,كان بامكاني الانتظار عام آخر ..ولكنني لم أخلق هكذا ,لم أخلق وباستطاعتي التنازل عن أحلامي الشاهقة ..أو القبول بأنصاف الحلول..كان هدفي واضحا..إما أن أسير في الطريق الذي أريده لأكون على قائمة الأفضل ..أو لا..

سافرت للعمل بمستشفى الخانكة وهي ثاني اكبر مستشفى نفسي في مصر لأكون قريبة من الجامعات في القاهرة والعباسية ,ربما يعلم الله كم عانيت في تلك المدة في اغترابي والسفر المتواصل في أسوأ الظروف ,ولكن في النهاية وضعت قدمي حيث أردت و حيث شاء الله..وبدأت مسيرتي المهنية في التخصص رسميا ولكني ابتعدت عن جامعة الأاسكندرية أيضا في دراستي العليا, ذهبت لهناك وأنا اسبق اقراني ببضع خطوات وعدت للأسكندرية وأنا اسبق اقراني أيضا عمليا بعد الخبرة التي اكتسبتها هناك ,جئت بعد أن انضممت لبرنامج الزمالة ,وإلى المعمورة حيث لم أجد مكانا من قبل ,عدت بدرجة أعلى من التي أردت التقدم بها قبل سفري ,وفي طريقي الآن للتسجيل في الزمالة العربية أيضا ..وفي خلال عامي بالقاهرة وجدت مستوى علمي مختلف..وتعلمت على يد اساتذة رائعين على مستويات شاهقة علميا ولكن على درجات من الرقي والتواضع والروعة ....


وفي النهاية ..أعود لتذكر كل ما صادفني فأعرف أن الله لا يتركنا نضيع أبدا , واعرف أنني رغم كل من قالو لي لا ترحلي فالرحيل قرار خاطئ..فهو لم يكن سوى مرحلة كما أردته ولم يكن قرارا خاطئا أبدا.كان استمرارا لتضحيات قدمتها برضى منذ تخرجي لأصل للمستوى الذي أحلم به ذات يوم..وأنا اؤمن أن بعض الأماكن لا تحتوينا ,وبعضها يفعل..ولعلي الآن لا أعرف إن كنت سأستقر في الأسكندرية أم سأعود بعد انتهاء سنوات التدريب بالزمالة إلى القاهرة مرة أخرى..ولم أعد اشعر بالخوف الآن..فما يقدره الله لنا خير لنا مما نخطط لأنفسنا..


ولكنني أتمنى فقط لو كثرت النماذج التي تشبه دكتورة منال..تلك التي تدفع للأمام ,وأتسائل لماذا لا يتحلى أساتذة الجامعات بهذا الرقي والتشجيع فالكلمة الطيبة صدقة فعلا , لا تلك النماذج الأخرى التي تدفع للوارء وتهدم كل الأحلام والأمنيات....وربما كان الأمل انني في فترة عملي بمستشفيات جماعة الأسكندرية ورغم الذكرى الأخيرة السيئة لها فقد كان هناك نماذج شابة رائعة لأطباء ومعيدين علمونا بروح جميلة وسأظل مدينة لهم طوال حياتي بما أنا فيه لأنهم أول من علمني أساسيات هذا التخصص ومن بدأ معي من الصفر..نعم ربما الأمل في هذه الشموع الصغيرة..التي ستضيء..وهم الذين أثق أن الله سيجعلهم نجوما بحق..


هل ستتحقق نبؤة هذه الأستاذة الطيبة لي ؟ الله أعلم بهذا ..ولكني اعلم جيدا أنني سأواصل السعي لمحاولة تحقيقها..فإن أصبت فبنعمة من الله ..وإن أخفقت فمن عندي ولعلها تغفر لي أن خيبت أملها ..

دكتورة منال عابد..شكرا من أعماق الروح..لقد داوت كلماتك جرحا قديما كان مؤلما..


....
د.شيماء عبادي..
30/10/2013