الاثنين، 16 سبتمبر 2013

أمير الظل..وصفعة على وجوهنا جميعا




(لا تنسوا المهندس في عتمة عزلته لقد كان فيكم للحريه عنوانا )..عبدالله البرغوثي ..

 .........................


انتهيت ليلة أمس من قراءة رواية مهندس على الطريق ..أمير الظل..لعبدالله غالب البرغوثي..
لن أتحدث عن البراغثة الآن , فعلى ما يبدو حديثي عنهم سيأتي تفصيلا في مرة أخرى ,في الواقع لا أعرف عن ماذا يجب أن أتحدث ..هل عن المؤلف نفسه ؟ أم عن الكتاب ؟ أم عن فلسطين ..وباقي جراحنا التي تنزف دون توقف ؟

أنا لا أعرف فعلا من أين يجب البدء..فنادرة هي الكتب التي تنتزع النوم من عيني انتزاعا , لتؤرقني وتجعلني أعيد تذكر حياتي ..فكل ما كان فيها من مباديء ومفاهيم وقيم ومعلومات..نادرة هي الكلمات التي تخطفني من كل عالمي وتسحبني نحو عالمها ..وعالم كاتبها..وتعيدني ..لست نفس الفتاة ..ولا نفس الإنسان ..

لم أسمع عن هذا العمل الأدبي إلا منذ فترة قريبة , ربما شهرين ,وعرفت وقتها انها غالبا قصة واقعية لبطل يروي كفاحه وحتى انضمماه لكتائب القسام,قمت بتحميله ولم اقرأ منه حرفا , كانت تأخذني اشياء أخرى إلى عالمها , أنشغل عنه وأعود لتذكره وتذكر البراغثة فانتظر مرة أخرى ..ثم من يومين فتحته لألقي نظرة على مقدمته , ولأرى هل هو كتاب أم رواية أم مذكرات..عندما فتحته واجهتني هذه الكلمات :


تثورُ النار إن اختنقت بالحطب .. وتحرق كل من للحقّ اغتصب

ثرتُ مرةً بإذن ربي على المحتل الغاصب، وها أنا أثور اليوم بعون ربي على السجن و السجان لأكتُب قصّتي ، قصّة مقاوم قصد وجه ربّه ورفع السلام بوجه الظلم ، لعلّ رصاصات الحقّ تُعيد طريق النصر و الحريّة عبر جوابي على تساؤلات ابنتي ، و ردّي على تساؤلاتها لعلّي أكون قد أوضحت لها ما يدور بذهننا حول ذلك السؤال الّذي تردد كثيرًا، من أنتَ؟! ولِم أنت؟! ولعلي أكون عبر تجربتي المتواضعة قد ساهمت و لو قليلًا من خلال صفحات هذا الكتاب، ومن خلال مقاومتي للمحتلّ بأن أشعل شمعة على درب الحريّة؛
 فأنا أكره الظلام و أكره من يلعنون الظلام.
عبد الله غالب البرغوثي.
من زنزانة العزل الإنفرادي التي مازلت أمكث بها
منذُ عام 2003 حتّى اليوم


عندما قرأت تلك الكلمات لأول مرة كنت في في غرفة الكشف بعملي استعد لأن أبدأ يومي فعدت لإغلاق الكتاب بعد أن أدركت أنه سيثير كآبتي , وبعد أن ادركت أنني لا استطيع أن ابدأ به اليوم..ولكنني عرفت آنذاك ايضا ان موعد قرائته قد حان..

عبدالله يوجه الكتاب كله لابنته , يخاطبها فيه بينما هو يحكي ويسرد لها قصة حياته بأكملها , بعد أن وضع في مقدمة الكتاب الرسالة التي بعثتها له ابنته تالا تسأله عن كل ما يجول بخواطرها ويعتمل في نفسها , فهل أجاب عن اسئلتها هي أم عن أسئلتي أنا واسئلة كل من يقع الكتاب بين يديه ؟
لذا لا أستطيع أن اسميه رواية , ولا مذكرات , وإنما حكاية ليست باللغة الصعبة ولا التقنيات العبقرية في الكتابة وإنما ببساطة من تذكر فكتب, حكاية ..أراها كان لابد أن تُحكى , في ظروف مثل ظروفنا وحياة مثل حياتنا والأهم..لجيل مثل جيلنا ..

عبدالله تحدث عن حياته منذ ولد في الكويت ثم سفره للأردن ومن هناك إلى كوريا ليتحمل مسؤولية نفسه كالرجال , لم أكن أعرف أن في الحياة بيننا رجال مثله , هذا الرجل الذي كان عبقريا فذا في كل شيء , بنى نفسه بنفسه وهو شاب صغير وتحمل  تهيئة نفسه لمعركة العمر القادمة , بنى جسده ليصبح صلبا كالحديد واستغل موهبته فصار عبقريا هندسيا والكترونيا وقرصانا فذا للانترنت وخبيرا بالمتفجرات والتزوير وكل ما كان يمكن أن تحتاجه المقاومة والأهم..كونه اتجر واتجر حتى اصبح ثريا ثراءا فاحشا ثم وضع بعد ذلك كل ماله من أجل هدفه الأوحد والوحيد..

كل ذلك وهو لم يولد في فلسطين ولم يرها إلا بعد سنين  من عمره  ,ولكنه قرر من قبل أن تطأها قدماه أن يعمل على تحريرها منذ بدأت عائلته تقدم الشهداء الواحد تلو الآخر..فيارب لماذا مثل ذلك الرجل يقبع في الاسر الآن ؟لماذا لم ترزقنا برجال مثله وترزق فلسطين بآخرين مثله لعل الكرب يفرج على ايديهم ؟ لكنك انت الرب وانت الحكيم ..فلتكن مشيئتك..

كتاب البرغوثي صفعة على الوجه , عندما تكتشف وأن تقرأ أن كل ما نغرق فيه من معلومات طوال حياتنا ماهي إلا حديث مفترى , وكذب وقح , نفس الذين علمونا دوما أن القوات المسلحة المصرية خير الجند وأن الرؤساء المصريين قدمو وقدمو هم أنفسهم من حاولو طوال السنوات أن يزرعو فينا الكره لعناصر المقاومة الفلسطينية وحماس وكتائب القسام..هم انفسهم من حاولو أن يزرعو فينا أن الرئيس الفلسطيني والذي قبله والذي قبله كانو أسيادا يحاولون أنقاذ الأرض ..بينما يتضح في النهاية ان السلطة الفلسطينية مثلها مثل كل السلطات في الشتاء العربي الذي كانو يسمونها ربيعا , تغرق في الفساد حتى النخاع..
عبدالله كان مع كتائب القسام , بل من مؤسسي الكوادر للانتفاضة الثانية , درب على يديه العديدين, وقاد العديد من العمليات في ثلاث سنوات , ولكنه مثل كل القساميين , كان مطاردا من الجميع طوال الوقت , مطاردون من العدو الصهيوني , ومطاردون من السلطة الفلسطينيه التي اخترق شبكاتها ليتأكد أنها تتعاون مع قوات الاحتلال بشكل سافر , ومطالبون من المخابارات من الجهتين ..أليس هذا ضد كل منطق وكل عقل ؟ ثم قيل عنهم ما قيل ,,وأشيع عنهم ما اشيع ..
لا أقول انني اعرف الحقيقة مطلقة ولن أبنيها على رؤية رجل واحد , ولكن احسدهم انهم على الأقل لديهم هناك خد يفصل بين الحقيقة والزيف , هم لديهم عدو واضح , لن يكون يوما في صفهم ولن يكون يوما بصفة اخرى غير محتل ,أحسدهم على مثل هذا الرجل الذي كان يعرف أن الحجارة لا تجدي فذهب إليهم من أقصى الأرض بعلمه وقوته الذهنية والجسدية لغير مسار حياتهم ,وحياته , ذلك الرجل الذي لم يصمت لمن سب الله أمامه , وذلك الرجل الذي كان يؤمن بأن العقاب من جنس العمل..

كان به شيء من القسوة ولكنه كان به الكثير من العدل , تألمت حين قال أنه قرر أن يوجه ضربه عقابية للمتآمرين من السلطة والجهات الأمنية الفلسطينية مع العدو ولكنها ضربة لا تسيل قطرة دم واحدة , ضربة تكنولوجية , فلماذا يارب ابتلينا نحن الآن بمن يسيل دماء الطرف الآخر من أبناء بلده دون اي يطرف له جفن فقط لأنه يراه على خطأ ويرى نفسه على صواب ؟
كان به خوف من الله وهو يكره العمليات الاستشهادية ولم يلجأ لتنظيمها إلا مضطرا ,وحتى حين اضطر لم يزج باي انسان يشكل ولو قليلا في غرضه من الذهاب كي لا يحمل وزره .

والآن هو في سجنه الانفرادي وحيدا منذ عشر سنوات , بعد أن حكم عليه بسبع وستون حكما مؤبدا ...وبعد أن تم القبض عليه بالتعاون بين كل الأجهزة الأمنية الفلسطينية والصهيونية ..سبع وستون حكما مؤبدا اي مئات السنين ؟ هذا الرجل الذي تم عزله ونفيه دون زيارة اي انسان من ذويه أو غير ذويه لأكثر من عشر سنوات ..ماذا يجب أن أقول له ؟

لا أجد ما أقوله بعد كل ما قلته أنت يا عبدالله ..وبعد كل ما عرفته عنك ..لست الاسير ..فأنت تحلق بروحك عاليا في السماء ولو كنت بين القضبان , اما نحن فاسرى أحزاننا ..وبلائنا ..وضعفنا ..وأسرى عالمنا الممتلئ بمن لا يفهموننا فصار صار سجنا أضيق من سجنك..

لا أملك سوى دعائي أن يمن الله علينا برجال مثلك ,وأن يفك اسرك وينصر قضيتك .. ودعائي أن يجعل لك من اسمك نصيبا ..وأن تظل غالبا لا مغلوبا ..الله غالب يا عبدالله بك وبمن مثلك ولو طال الوقت ..الله غالب ..

...........

أترككم مع نص الرسالتين التين ارسلهما عبدالله البرغوثي منذ فترة قصيرة بعد دخوله اضرابا مفتوحا عن الطعام تجاوز الشهرين هو وبعض الاسرى الأردنيين ليتم اخراجهم من العزل أو السماح لأهلهم بزيارتهم.. وآخر ما عرفته أنه تم عمل اتفاقيه اثمرت عن تعليق اضرابهم ووضع بعض البنود ليتم السماح لهم برؤية بذويهم..
ومع أغنية أجنبية لغزة في ذكرى المذبحة التي تمت بها ..


إلى زوجتي الحبيبة فائدة البرغوثي:

إلى الماجدة , صاحبة الذكريات التي بلا ورق وحبر

إليك زوجتي وحبيبة الروح ..إليك اكتب بكل ما في جعبة قلبي من كلام ومشاعر لعل كلامي يترجم تلك المشاعر واليك أقول عذرا كل العذر , عذرا حبيبتي لأنني جعلت نهاية رواية الماجدة نهاية جميلة ففي تلك النهاية وفي صفحات الرواية الأخيرة كانت ماجدة تمد يدها لتطعم زوجها إسماعيل وكان إسماعيل المقاوم المحرر يمد يده أيضا ليطعم زوجته الحبيبة ماجدة هناك على شاطئ بحر غزة كانا يطعما بعضهما البعض ويطعما أطفالهم , أما نحن يا حبيبة القلب ومهجة الفؤاد احدنا مضرب منذ ما يزيد عن 70 يوما عن الطعام والأخر وهو أنت لا يتمكن من تناول كسرة الخبز إلا بعد جهد جهيد لان طعمها مر وعلقم.

عذرا منك كم تمنيت أن أكون أسيرا محررا حتى تمدي يدك لي مطعمة إياي وأمد يدي لك لأعيد لك الكرة مطعما إياك , جميلة هي النهاية في الروايات أما النهايات في الحياة الحقيقية فلا تكون في الغالب نهايات جميلة فالواقع قاسي والمعاناة أقسى ، فما مرت به الماجدة من معاناة ومرارة وحرمان يشهد الله انه لا يقارن بأي حال من الأحوال بما مررت به أثناء الأعوام التي كنت خلالها مطاردة معي ولا خلال الأعوام الماضية التي كنت انا أسيرا وأنت كنت أما وأبا وراعية لأبنائنا وتحديه للمحتل وكل الظروف القاسية التي أحاطت بك .
أتمنى حبيبة القلب أن نكون قد وصلنا إلى نهاية سعيدة جميلة كنهاية الماجدة وأدعو الله ليلا ونهارا لان أكون معك وبين أبنائي ومع أحبائي وأدعو أيضا ليل نهار بان تتقبلي اعتذاري على ما سببته لك من الم وألام متواصلة منذ أعوام وأعوام فقد كتب الله عليك أن تكوني زوجة مقاوم يصر على أن لا ينهي مقاومته ضد المحتل طالما بقي نفسا واحدا في جسده وطالما بقيت روحه في ذلك الجسد.
حبيبتي أنت.. بل أنت روحي وملاكي
زوجك المحب والمعتذر عن كل الآلام

وفيما يلي نص الرسالة إلى ابنته تالا:
اكتب لك حبيبة القلب لعلي أتمكن وانا على سرير المشفى إلى أن أوضح لك عن من هو والدك ولماذا هو وكيف هو...أتذكرين ملاكي الحارس عندما سألتني تلك الأسئلة قبل أعوام طويلة فأجبتك عليها من خلال كتاب مهندس على الطريق" أمير الظل" , اذكر جيدا أنني قلت لك انه لا يوجد قلبا بين أضلع صدري بل يوجد عقلا أضيف على عقلي الذي يحمله راسي فأصبحت منذ ذلك الوقت أقول لك أنني صاحب العقلين وأنني بلا قلب هكذا كنت أظن وكنت اعتقد ولكن الأطباء اثبتوا عكس ذلك يا ابنتي الحبيبة ويا ملاكي الحارس واثبتوا بعد فحوص قصيرة وطويلة أنني امتلك قلبا بين أضلع صدري , قلبا غبيا يصل نبضه ببعض الأيام إلى أربعين نبضة في الدقيقة ليصعد وبشكل مفاجئ إلى ما يزيد عن مائة وعشرين لذلك يبدو أنني ساقر الأطباء واقر رأيهم معترفا أن بين أضلعي قلبا.
حبيبتي وملاكي الحارس لا تحزني لان لي قلبا غبيا نبضه مجنونا ولا تحزني لان هذا القلب هو من كان يحثني على مقاومة المحتل الصهيوني واجزم أن هذا القلب هو من جعلني أتصدى لكل ظالم طاغ فالعقل هو العقل يفكر, يخطط وينفذ أما القلب فهو تلك المضغة التي أن صلحت يصلح معها وبها كل الجسد قلبا واحدا ضعيفا مجنونا وعقلا واحدا هي كل ما املك يا حبيبة القلب والعقل.. يا أيتها الملاك الحارس , يا ابنتي الحبيبة.




.......
we will not go down ..Michael heart