الثلاثاء، 2 أبريل 2013

عصفور تحت المطر..الفصل الثالث


الفصل الثالث

*****
حسنا..أكل شيء على ما يرام يا بطل؟
لم يسمع ردا ..استدار فوجد صديقه يحدق عبر النافذة غارقا في عالم آخر ..
-أحمد..أحمد؟ نحن هنا..!!!!!

انتفض ونظر إليه في دهشة.

-أسف..لم انتبه..شرد ذهني لحظة

- هذا يبدو واضحا..لكنها لم تكن لحظة ..على كل حال.. كنت أسأل إن كان كل شيء على ما يرام؟ هل يناسبك هذا المسكن أكثر من سابقه؟

- نعم ..إنه مناسب تماما..لا أعرف كيف أشكرك ..لقد أجهدتك كثيرا الأشهر الماضية ..

- لم تجهدني على الاطلاق بل كنت تحرق نفسك إجهادا..لم أر منذ وقت طويل شخصا يدفن نفسه في العمل مثلك..أنا لا أفهمك حقا..ولكن هون على نفسك يا صديقي فالحياة نعيشها مرة واحدة فقط..

ابتسم احمد دون إن يجيب..

-حسن..سأذهب الآن لأن الوقت قد تأخر ,وزوجتي في انتظاري..
فتح الباب وهو يكمل:- عليك أنت أيضا أن تفكر في الزواج يا صديقي..صار لديك وظيفة مستقرة ومسكن جيد..صدقني إن الوحدة مزعجة إلى أقصى حد..سوف تدرك هذا فيما بعد..

وأغلق الباب..فجلس أحمد على أقرب مقعد إليه وهو يحدث نفسه..

(من السهل عليك ان تقول تزوج كما هو من السهل على أي إنسان ان يقول لي ذلك..لكن أين أذهب بمن سكنت قلبي ولم ترحل منه مطلقا؟)

أخذ نفسا عميقا..مضى وقت ..الكثير من الوقت..ثلاثة أشهر منذ سفره..وأشهر قبل ذلك لم يرها فيها مطلقا..ما أسرع ما تجري الأيام..مازال يذكر آخر لقاء بينهما كأنه الأمس..رغم انه قرر بحزم أن ينسى ولو تكلف ذلك سنوات..
ليس من العدل ان يعيش العمر على ذكرى فتاة أحبها بكل كيانه..ولم تبادله أبداً حباً بحب..

شعر بحزن كبير يغلفه وهو يقول في داخله بكل أسف الدنيا - ) آمل فقط يا منى أن تكوني أفضل حالا الآن..آمل أن تجدي من ينجح فيما فشلت فيه انا..إسعادك (

* * * * * * * * * * * * * * *

أي انسان كان ليسير على ذلك الشاطيء الرملي في تلك الساعة المبكرة كان بإمكانه بكل سهولة
أن يلمح ذلك الحزن المرسوم على وجه تلك الشابة اللي تجلس تتأمل البحر في صمت حزين..حزين

ما أغرب ما تفعل الحياة بالإنسان وأمنياته..فحيناً تكون أمنياته كالحفر في الصخور..وحينا كالرسم على الرمال
تأتي موجة فتمسحها ولا يتبقى منها إلا ذكريات باهتة في عقل من رسمها أو من رآها خلال عمرها القصير..


اقتربت منها صديقتها في هدوء كأنها تخشى أن تقطع حبل أفكارها..جلست بجوارها..التفتت إليها دون أن تتخلى عن صمتها ثم أعادت بصرها إلى البحر ..تنهدت تنهيدة حارة تعبر بألم عما يجيش بصدرها....لكنها لم تتكلم..

ظلت صديقتها صامتة فترة...ثم قالت في تردد:..

- منى..لماذا لا تتصلين به؟يمكنك أن تحصلي على رقمه هناك أو وسيلة اتصال به من عائلته.. لقد كنتم أصدقاء ..
ليس هناك ما يمنع ذلك..أستطيع ان اقوم بهذا عنك لو ترغبين.

أجابتها في هدوء وهي ترسم خطوطا واشكالا على الرمال..

- وماذا أقول له حين أسمع صوته؟ عذرا..لقد كنت حمقاء منذ شهور وأضعتك والآن أريد استعادة ما فقدت؟
إنه ليس مفتاحا فقدته يا حنان وحين اكتشفت ذلك عدت أبحث عنه..لقد مرت أشهر لم أره خلالها ولم يحاول الاتصال بي بأي وسيلة ثم سافر ..ومضى وقت على ذلك أيضا..

إنه يكره السفر..لكنه سافر رغم ذلك..هل تعرفين لماذا؟ لقد ابتعد بسببي..لقد جرحت قلبه إلى حد جعله يترك البلاد كلها ويرحل كي ينساني..فبأي حق أتصل به الان وقد مضت أشهر عديدة ولعله نسيني ولعله أيضا وجد الحب الذي يستحقه..
لقد أفسدت حياته مرة..لن أفسدها مرة أخرى..هو اتخذ قراراه ونفذه..كان هذا اختياره مثلما كان اختياري ألا أقبل به حين تقدم إلى طالبا يدي..

مهما كان اختياره صائبا أو خاطئا..ليس لي الحق الان أن أفعل شيئا قد يتسبب في ضرر أكبر له..

- وماذا أن كان لم ينسك؟ماذا لو كان ينتظر ان تتجه مشاعرك نحوه ؟

- قالت في سخرية حزينة...ينتظر !! كلا يا عزيزتي..لو انه كان ينتظر لما ذهب ..

-لا نستطيع الجزم..ولا تيأسي سريعا..ربما يعود..

عادت منى إلى صمتها ..ثم نهضت وهي تقول في شرود..: - نعم .ربما..

تابعتها حنان ببصرها وهي تمضي.ثم نظرت إلى الأرض حيث كانت ترسم..فوجدت خطوطا متقاطعة..وقلب في المنتصف..
.. فنهضت هي الأخرى وقد ترقرقت دمعة في عينيها..

..وقبل ان تذهب..جائت موجة قوية ..فمسحت جزئا من الرسم..ليتبقى فقط..نصف قلب
....

هناك تعليقان (2):

  1. :(
    هل فعلا هذه النهاية ؟!!
    طمنيني رجاء وأخبريني أن هناك جزء رابع

    ..
    العبارة الأخيرة قوية جداً وذات دلالة عميقة
    نهاية مؤلمة لجزء أحيا فينا الأمل بعد ان كدنا نفقده

    المخيف ان تكون هذه نهاية قصتهما فعلا
    قصص الحب لا يجب أن تخضع لقوانين الواقع المر
    يكفينا مرارته التي نعيشها كل يوم ..
    وليس اعتراضي هذا ذما في القصة
    بل لأنها اعجبتني بشدة
    أكثر مما توقعت انا نفسي

    ردحذف
  2. ربما تكون هذه نهاية القصة ..وربما لا..استني الجزء الرابع :)

    قصص الحب لا يجب أن تخضع لقوانين الواقع المر..ممممم..ربما يجب احيانا أن تخضع يا صديقتي ..الحياة ليست بالروعة التي نأملها !

    ردحذف